الراعي يزور "بيت داود للمسنين" ومخيم الأطفال في حديقة البطاركة
احتقان وتوتر أمني في الساحل السوري: مخاوف من تكرار سيناريو آذار الدامي
لا تزال المناخات التي استولدتها مجازر الساحل، 6 - 9 آذار الفائت، هي الحاضرة في الذهنية الجمعية لسكانه، والمحددة لسلوك أفرادها، وزاد منها أن طرق التعاطي مع التداعيات التي خلفتها هذه الأخيرة كانت ضعيفة «المردود» في ذات جريحة ترى أن ما جرى لم يكن له من مبررات تجعل من حدوثه أمرا حتميا، أما «جبر الضرر»، ومداواة جراح المكلومين فقد اقتصر ذكره على الورق، وبالرغم من تقريرين، أولهما محلي صادر عن «اللجنة الوطنية» المستقلة لتقصي الحقائق، وثانيهما أممي صدر يوم 14 آب الجاري، وكلاهما يشيران إلى وقوع حالات قتل كانت ترقى عند الأخير إلى مستوى «جرائم حرب»، إلا إن مفاعيل ذينك التقريرين بقيت عند حدود «التوثيق»، و «تبرئة الذمم»، وفي الغضون جاءت حرائق الساحل، بموجتيها المتعاقبتين خلال شهر واحد، لتضفي على الواقع المأزوم أبعادا من نوع آخر، وأخطر ما في الأمر إن «المرويات» التي يتداولها الشارع في الساحل، أقله عند العلويين، لا تشبه تلك التي ترددها منابر السلطة الرسمية والإعلامية على حد سواء، لا في المجازر والانتهاكات التي أعقبتها، ولا في سرديات الحرائق وطرق إخمادها، والجدير ذكره في هذا السياق هو أن التقرير «الأممي» كان قدم رواية هي أقرب لرواية الشارع، من حيث قال إن «أحداث العنف بدأت بحملة اعتقالات نفذتها السلطات، ثم قابلت المجموعات الموالية للنظام السابق حملة الاعتقالات باعتقال وقتل عناصر حكومية»، ما يتطابق كثيرا مع «الرواية الشفوية» التي تقول ان «كرة النار تدحرجت بعد حملة واسعة كانت قد استهدفت قريتي الدالية وبيت عانا بريف جبلة، وجرى فيها اعتقال العشرات من أبناء القريتين، الأمر الذي دفع بالأهالي للقيام بمحاولات تهدف إلى تخليص المعتقلين، ثم اندلعت النار التي سرعان ما وصلت شرارتها إلى مدينتي جبلة وبانياس وأريافهما»، والراجح هو أن رواية رامي عبد الرحمن، مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، التي قدمها في لقاء متلفز يوم 16 آب الجاري، وجاء فيها إن «دولة عربية شقيقة أقنعت الغرب بأن ما جرى في الساحل هو إفشال لإنقلاب إيراني في سوريا»، هي التي تبرر «طي الملف»، والدفع به إلى الأدراج السفلى، والأمر عينه كان قد حدث في روايات الحرائق، التي ذكر ناشطون على «المربع الأزرق» أنهم كثيرا ما شاهدوا «أشخاصا غرباء في مناطق الحريق وبأيديهم لوازم إشعال هذا الأخير»، بل إن البعض ذكر، وصور، طائرات «درون» كانت تلقي بحمولات لا يمكن تحديد ماهيتها في المناطق التي تتم السيطرة فيها على الحريق»، أما في التعاطي فقد تعمدت الحكومة السورية «التباطؤ في إهماد الحرائق»، وفقا لما ذكره «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، فيما اتهم ناشطون الحكومة بـ«افتعال الحرائق لكشف مخابئ فلول النظام السابق»، وإلى يوم الجمعة الفائت كانت فرق الإطفاء في شمال وشرق سوريا على أهبة الاستعداد بانتظار الحصول على موافقة الحكومة السورية على التدخل للمساعدة في إطفاء حرائق الساحل.
منذ منتصف تموز المنصرم عادت الحملات الأمنية لمداهمة بعض القرى بذريعة «البحث عن مطلوبين»، ما أعاد بالذكرة إمكان تكرار سيناريو 6 آذار في «الدالية وبيت عانا»، وفي 13 تموز اقتحم رتل مؤلل بلدة عين الشرقية بريف جبلة بحثا عن مطلوب وفقا لما ورد على لسان مصدر بالأمن العام، فيما ذكرت صفحات لناشطين من القرية إن «الأمن قام باعتقال شابين لا علاقة لهما بالمطلوب بعدما فشلوا في اعتقال هذا الأخير»، وقد كشف موقع «إرم نيوز» في تقرير له أعقب تلك الحادثة عن «تحركات عسكرية وتحشيدات في الساحل السوري»، وذكر التقرير إن «مرد ذلك يعود الى مؤشرات توحي بقرب تحرك جديد لفلول النظام السابق»، وهو ما دعا «السلطات إلى تعزيز مواقعها»، والشاهد هو أن مصادر أهلية كانت قد أكدت للـ«الديار» قبل أيام دخول «قوات العصائب الحمراء إلى مدينة جبلة والتمركز فيها»، كما أكدت المصادر ذاتها أن تعزيزات وصلت إلى حاجزي «الشراشير» و «القبيسة» بالقرب من قاعدة «حميميم» التي تسيطر عليها القوات الروسية، كما شهدت مدينتا اللاذقية وطرطوس، يوم 14 آب الجاري، مسيرا عسكريا طاف شوارع الكورنيش فيهما، وأفاد «المرصد السوري»، في تقرير له يوم 15 آب، بـ«وصول تعزيزات كبيرة إلى الساحل، تمثلت في دبابات وناقلات جند وسيارات دفع رباعي»، واللافت أن ذلك حدث بعد ساعات من تظاهرة «ساحة الكرامة» بوسط السويداء التي علت السقوف فيها إلى حدود المطالبة بـ «استقلال تام»، والراجح هنا أن ثمة خشية من انتقال «الوباء» سريعا إلى مناطق الساحل التي تتشابه ظروفها مع تلك السائدة في السويداء، هذا إن لم تزد حمولات الأولى عن الأخيرة بمفاعيل عديدة منها تهمة «الفلول» الحاضرة على الدوام إذا ما تعذر استحضار تهم دامغة على أي من أفرادها.
قد يكون لدى السلطة الكثير من «الموجبات» التي تستدعي القلق حيال الأوضاع السائدة في الساحل، فالانفلات الأمني غالبا ما تذهب ضحاياه سدى، وفي سجون حارم وحمص وعفرين وحماة لا يزال هناك 10 - 12 ألف معتقل علوي منذ 8 كانون الأول، أما الأوضاع المعيشية الصعبة التي تمر بها البلاد فهي الأصعب على أبناء الساحل الذين فقدوا عشرات الآلاف من وظائفهم، وثمة رواية انتشرت كما النار في الهشيم، وهي تقول إن مدير مرفأ طرطوس كان قد جمع العاملين ذات يوم وقال «لا أريد أن أرى علويا هنا غدا»، ومثلها الكثير، وعندما جارت الطبيعة، هذا إن صح هذا التوصيف، كانت السلطة عونا لهذه الأخيرة عليهم، أقله وفق الرؤيا التي يتبناها الكثيرون، لكن «التشنج» الذي تبديه السلطات في معالجة هذا الملف من شأنه أن يرمي بأثقال لا تقل خطورتها عن تلك التي أنتجت حال الاحتقان سابقة الذكر، ولربما يفسر الأمر على إن النظام، أي نظام، يصبح في لحظة ما شديد الحساسية حيال أي فعل مهما صغر حجمه، حتى ولو كان منشورا «فيسبوكيا».
عبد المنعم علي عيسى-الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|